السؤال الذي يشغل الجغرافيين، هل المكان يتحكم في العلاقات الإنسانية، او لنقل العلاقات بمختلف أنواعها، ليست من السهولة بمكان الإجابة بنعم او لا بشكل مطلق. الإجابة على السؤال بشغل ليس الجغرافيين فقط، فالمكان يشغل كل من يهتم بما هو على الأرض. هذه المقالة تتطرق الى حالة معينة ليس الا، هي بالنهاية تدور حول تعجب واندهاش بين حالات لا تحصى. لا تشخص هذه الحالة، بل تدعو الى الدهشة.
حالة تعرض المكان والزمان الى عدم فهم قاس.
في الدول ذات المساحة الكبيرة والمدن المتباعدة جغرافيا قد تفصل مئات الاميال، وغالبا ما تتوزع اسر العائلة الواحدة على عدد من المدن.
الكويت هي دولة المدينة الواحدةً بالمفهوم الجغرافي. -التجمعات السكانيةً – فهي اما ضواحي سكنية وأحياء حضرية، بمعنى انها تضم اجزاء سكنية منفصلة عن مناطق تجارية وخدمات صناعية. كل هذه الوحدات بوظائفها المختلفة تفصل بين كل منها مجرد شوارع او طرق، كل هذه ” المنطقة المعمورة لا تزيد مساحتها عن 1600 كيلو متر مربع من اجمالي مساحة البلاد البالغة 17818 كيلو متر مربع. وهي من الدول الصغيرة جغرافيا قد تكون بمساحة حي من احياء مدن في دول كبيرة المساحة.
من خلال معايشة حية للعلاقات الاجتماعية في الكويت، البلد الصفير مقارنة مع مجتمعات دول كبيرة المساحة تزخر بالمدن والمناطق الريفية، يمكن ان نرسم الصورة للعلاقات الاجتماعية.
في أوروبا، ثلاثة اشقاء يعيشون في ثلاثة مدن تبعد بينهم مئات الاميال، وبسبب بعد المسافة وتكاليف السفر اعتادوا ان يلتقوا مرة بالسنة في مدينة تتوسط مدنهم الثلاث لتناول وجية الغاء ويناولوا شؤونهم العائلية.
بهذا فرضت الجغرافيا عليهم هذا النوع من العلاقات.
الحالة الأولى، شقيقتان تعيش كل منهما في مدينتين بينهما مسافات بعيدةً، تلتقي هاتان الشقيقتان بوالديهما في مدينتهما البعيدة في المناسبات مثل أعياد الميلاد وراس السنة الجديدة.
في الكويت، يعيش شقيقان في ضاحيتين متجاورتان بفصل بينهما طريق لا يزيد عرضه عن عشرة أمتار. يحدث ان تسال أحد الشقيقين في احدى المناسبات عن أحوال شقيقه، يرد عليك ” والله ما أدرى، صار سنة ما قابلته “
الحالة الثانية أكثر مدعاة للدهشة، ان ثلاثة اشقاء لا يعرفون اين يسكن كل منهم ولا رقم هواتفه، يترتب على هذا الواقع امر شديد المرارة، ان اطفالهم لا يعرفون بعضهم والقرابة بينهم.
ان ما حدث في الكويت بعد الخروج الجماعي لتنفيذ خطة تحديث الدولة تصب في انهيار الاسرة الممتدة واحلال الاسرة النووية محلها التي توزعت جغرافيا على الضواحي. لقد أضعف الواقع الجغرافي الجديد العلاقات بين أبناء الأسرة الممتدة الأساسية. كل هذا حدث عبر مساحة زمنية في اقل من نصف قرن. لقد كان العامل الاجتماعي اشد تأثيرا من العامل الجغرافي. فمسافة البعد الجغرافي على عدد الآلاف من الأمتار في الكويت لا تقارن البتة مع آلاف من الكيلو مترات في اوروبا ومئات من القرون في او واربا منذ التورتين الاجتماعية والصناعية وعصر النهضة، مقارنة مع اقل من نصف قرن من اكتشاف النفط وتحديث الدولة.
مثل هذا في الكويت تنطبق المقولة الجغرافية ” في العلاقات الاجتماعية، تكون المسافة الاجتماعية ابعد كثيرا من المسافات الجغرافية “
لقد قضت وسائل الاتصال بشكل مدهش على التقاليد و العادات العريقة وزادت من التباعد الاجتماعي.
المكان هو من الاهمية حيث تتفاعل عليه كل الأشياء، بل هو مسرح كوني، والزمان هو توئم المكان في كل ما يتحرك على الأرض هذا أيضا ما تقوله الجغرافيا وتشاركها كل العلوم. وهذا ما تتأثر كل الكائنات الحية وغيرها أيضا.
وما يحدث في المجتمع الكويتي هو تصادم بين المكان والزمان.